لعلكم تتقون..
كتاب لها
16 - شعبان - 1440 هـ| 22 - ابريل - 2019

مع اقتراب شهر الصوم لابد من تهيئة النفس لاستقبال هذا الشهر الفضيل ومعرفة الهدف من الصيام ، جعل الله التقوى الغاية المنشودة من وراء فرض الصيام، والناس يدركون مفهوم التقوى بشكل عام، ويجتهدون في الحصول عليها، فتراهم يعددون أشكال الطاعات وأنواعها التي يعملون بها في رمضان، الصيام وقراءة القرآن والذكر والتسبيح وصلاة التراويح والصدقات وإفطار صائم، وبر الوالدين والدعاء وكظم الغيظ والعفو عن الناس ومحاولة ضبط النفس، والاجتهاد في البعد عن لغو الكلام وإضاعة الأوقات، جملة كبيرة من الطاعات، تتنوع بين عبادات بدنية وقلبية وفكرية، وكان الناس إذا انتهى رمضان يتحسرون ويبكون لذهابه، وحسرتهم وحزنهم سببها أنهم عاشوا مرحلة إيمانية عالية طهرت بها نفوسهم وزكت بها أرواحهم، فيحزنوا لأن المرحلة انتهت، وعادوا كما كانوا بشرا من ضمن البشر، فكأن الله تعالى فرض رمضان ليكون له لون وطعم خاص ثم إذا انتهى رمضان، انتهى ذلك الطعم واللون، ولم يدركوا أن الله فرض رمضان ليكون بداية تأسيس التقوى ثم يتلوه البناء ثم البناء ثم البناء حتى آخر لحظة في عمر الإنسان في دار الدنيا، فيعرف المرء التقي ويدرك أنه كلما جاء رمضان كلما ازداد تقوى وإيمانا، كلما ارتفع في منازل السائرين في طريق الله تعالى، وحقق مراد الله تعالى من فرض الصيام والحكمة من مشروعيته، ومما يؤكد هذا المفهوم والمعنى مشاعر كثير من الناس أنهم يتغيرون بعد رمضان، بعضهم تغير إلى نقص والبعض الآخر يصدق عليه المثل "كأنك يا أبو زيد ما غزيت"
إن للتقوى معنيين أحدهما كمي والآخر كيفي، فأما الكمي فهو زيادة عدد الطاعات مع تنوع في أبوابها، أما الكيفي فهو موافقة السنة ودقة الاتباع لخير الخلق محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن الإسلام الذي بشر به عليه الصلاة والسلام ودعا إليه هو منهج حياة مع النفس ومع الله تعالى ومع الآخرين ومع الكون والحياة، مثل شهادة أن لا إله إلا الله تعالى معناها: لا معبود بحق إلا الله، وشهادة أن محمد رسول الله معناها: لا متبوع بحق إلا رسول الله، وتحت الشهادتين كليات كبرى من التوجيهات والأوامر والنواهي، هي التي تميز المتقين حقاً عن الدخلاء على التقوى والدين.
اتقي الله مع نفسك فلا تظلميها ولا تحرميها، اتقي الله مع ربك واعبديه حق عبادته، اتقي الله مع الآخرين من كانوا تحت سلطتك أو كنت في سلطتهم وتحت رعايتهم و ولايتهم، اتقي الله مع وقتك وزمنك فلا تضيعيه ولا تخنقيه، اتقي الله..، اتقي الله.. وليكن تديننا قلبيا وفكريا وسلوكيا في كل وقت، في السراء والضراء، في الرخاء والشدة، في السر والعلانية، مع من في السماء ومع من في الأرض، إنها التقوى حقاً تبذل الأعمار لمعرفتها وتحقيقها، فيشتد البناء ويعلو و يعلو حتى تكون أعلى درجة في الجنة، هذه التقوى هي التي يكون رمضان لها بمثابة المحطة للتزود بالوقود لمواصلة السير في الطريق إلى الله تعالى.