مذكرات عقيم(2)
عفواً أمي..
عالم الأسرة » شؤون عائلية
14 - جماد أول - 1430 هـ| 09 - مايو - 2009

كان آخر لقائنا في الحلقة الأولى حول كتاب "الرجل في قفص الاتهام" وكيف نحصل على نسخ منه لنقنع الكون الذي حولنا أن المرأة ليست المسؤولة الوحيدة عن عدم الإنجاب.
وأكمل لكم اليوم ما حكته صديقتي في جانب آخر من معاناتها لأنها لم تصبح أماً إلى الآن.
أخذت تحكي وأصغيت لها أذني بكل اهتمام وهي تقول:
جمعنا القدر أنا زوجي في بيت هادئ جميل وجمع معنا أحلامنا ومستقبلنا وكانت أول أحلامي أن يكمل الله سعادتنا بهذا الطفل الجميل الذي يجعل منزلنا شعلة نشاط لا تهدأ, وإذا بالحياة تسري في كل جنباته...
وكم جلست وتخيلت وتأملت تلك الغرفة الجانبية ننتظر هذا الجميل الذي سيلون كل حياتنا بأجمل الألوان!
فهنا أعلّم طفلي بعضاً من آيات القرآن الكريم..
وهنا أطعم طفلي أصناف الطعام..
وهنا أحكي له قصة من نسج الخيال عندما يأتي المساء..
وهنا أهدهد طفلي حتى ينام ..
ياااااااااااااااه ما أجمل هذا الخيال!
ومرت الأيام وتوالت وأنا أحلم نفس الحلم, ويراودني نفس الحنين إلى هذا الكائن الذي سأصبح أهم شخص في حياته وسيصبح هو بالتالي محور حياتي واهتمامي.
وعندما مرت السنة الأولى بدأ ناقوس الخطر يدق ..
ولكن أين؟ في قلب أمي.. فأول من شعر بالخطر: أمي التي بدأت تكثر الأسئلة والاستفسارات حتى أصبحت مصدر قلق لي ولزوجي, وصرت أنا نفسي مصدر قلق وخوف لأمي, لدرجة أني كنت أخاف عليها من عدم إنجابي.
وإذا رزقت إحدى أخواتي بمولود تبدأ أمي بوصلة بكاء على حالي وتبدأ تنظر لي نظرات غريبة تمزقني وتمزق كل شيء حولي وتمزق داخلي أكثر, ودائما تشعرني بأني كائن حي قابل للانقراض إن لم يصبح لي ذرية ...
فقلت لصديقتي: معذورة أمك يا عزيزتي, تحمليها فهي أم, وجزعها هذا مصدره قلقها عليك, ولكن تعالي لنجلس نعلم أمهاتنا كما علمونا ولنفهم كل أم حرمت ابنتها من الإنجاب أن الحرمان من الإنجاب ليس هو كل الحرمان، فنعم الله علينا كثيرة..
قولي لها : أني اشتاق يا غالية كما تشتاقين أن يقال لي ماما كما كنت أقول لك واستمتع بهذه الكلمة الجميلة التي تحمل بداخلها كل العالم أو هي العالم في حد ذاتها...
ولكني لن أعترض على ما قدره الله لي , فهذا ما قسمه لي العلي القدير, والأطفال أماه لا أنكر أنهم نعمة وهذا قوله سبحانه وتعالى } الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا { وتواجدهم في حياتنا شيء جميل، ولكن دعينا أمي نكمل الآية } وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا { أتعلمين أمي ما هي الباقيات الصالحات التي فضلها الله جل وعلا على الذرية " سبحان الله والحمد لله ، ولا اله إلا الله والله أكبر " فذكر الله يا أمي جلاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين فمن وجد الله لم ينقصه شيء ومن فقد الله فقد كل شيء } أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ {
أمي أعلم أنك تتمزقين كما أتمزق وأعلم أنني أسبب لك الألم, ولكن أمي حبيبتي اعلمي أني إنسانة مؤمنة وأني وإن حرمت من نعمة فإن لدي من الله نعم كثيرة } وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا {.
أمي لم يحرمني الله إلا ليتفضل علي, وما أخذ مني إلا ليعطيني, وفي الحديث ] إن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم ، فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط[ رواه الترمذي و قال حديث حسن
وأرجوك أمي يا أغلى ما عندي, أن تبثي الأمل في قلبي, ولا تحزنينني على حزنك من أجلي, فأنا لا أريد من يبكيني, ولا أريد الرأفة, أريد من يثبتني ويقوي عزيمتي على الصبر على البلاء, فإن أمر الله كله خير ] عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير[ .
أمي أنا صابرة فساعديني كي أستمر على صبري ولدي البشرى العظيمة من الله جل في علاه " وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ " أتمنى من الله أن يثبتني على ذلك .
وأخيرا ودعت صديقتي على أن نلتقي لنكمل الحديث المرة القادمة بمشيئة الله.
إنه قدر كتب عليها.. فصبرت وتحملت .. بل مازالت تحاول ان لا تجزع على حكم رب العباد..فلماذا لا نقف معها نعينها.. نساعدها..ونحن اقرب الناس اليها..
انظن أنها لا تتألم..لا تعاني..اوليست بشرا لها من الاحاسيس ما لنا..
الم تتزوج لتبني أسرة..لتُحِب وتُحَب ..
ماذا لوكنا نحن مكانها..هل كنا لنرضى بمثل معاملتنا لها...
لم تذنب بعقمها.. فهو ككل الامراض لا يد لنا بها..
نحن بأفعالنا نتسبب في خراب نفسيتها ومن ثم دمار بيتها الذي مازال قائما على الحب..
حينها سنغدو عدوها الأول ..
فلنتركها ما دمنا لن نستطيع مساعدتها..