حرمة الدماء في الإسلام
دعوة وتربية » نوافذ
13 - جمادى الآخرة - 1433 هـ| 05 - مايو - 2012

كثر سفك الدماء مع ثورات الربيع العربي، خصوصا في ليبيا وسورية وبصورة أقل في اليمن، وبدرجة أقل وقع القتل في بداية الثورة الشعبية في مصر، والتي كانت سلمية وبيضاء، ولم يستخدم فيها أي سلاح من المتظاهرين، وسقوط الشهداء كان بأيدي قوات مكافحة الشغب أو من البلطجية المتعاونين معهم، ثم لم ينتشر القتل كثيرا، و لكن ما بين فترة وأخرى تنزلق البلاد لأزمات عديدة، وحوادث عنف متكررة، خصوصا بعد المظاهرات الكبرى، ومع الاعتصامات التي ينتشر فيها أو بعدها القتل، وتسفك فيها الدماء، وتزهق فيها الأرواح.
وانتشرت خلال السنوات الماضية ظاهرة سرعة اللجوء إلى القتل لتصفية الحسابات مع بعض المخالفين أو المعارضين، وكأن الناس لم يعرفوا خطورة سفك الدماء، و كأن بعض الحكام يستسهلون ارتكاب هذه الجريمة البشعة، فيتم التهاون في ذبح رقاب الناس، ويحدث إزهاق الأرواح، وتنتشر الفوضى، وينعدم الاستقرار.
فإذا انتشر القتل بغير حق، فسوف ينعدم الأمن، وتذهب السكينة، ويفر الأمان، و تزداد المعارك، وتحدث الاشتباكات، وينتشر الحقد، ويستمر الانتقام، وتزداد المطالبة بأخذ الثأر ولا يشعر المسلم أنه يحيا في ظلال الأمن، ولا يحس بالأمان، ويظل مهددا وخائفا على نفسه وأولاده وأهله، فأي حياة هذه التي ينتشر فيها القتل! وتعم بسبب ذلك الفوضى، ويكثر الانفلات الأمني، ولا يشعر العبد بلذة العبادة، ولا يجد طعما للطاعة، ويكون النوم مزعجا، والطعام زقوما، والشراب والماء أجاجا.
فالأمن هو عماد كل جهد بشري، وهدف نهائي لكل الحكومات و المجتمعات، بل هو مطلب أساسي لجميع الشعوب، بخاصة في المجتمعات المسلمة، التي تتمتع بالإيمان فيتبعه الأمان، إذ لا أمن بلا إيمان، ولا راحة بغير تجنب الفوضى الأخلاقية، والبعد عن الانفلات الأمني، وتجريم القتل، وتجريم تسهيل ارتكابه، لأنه أساس البلاء، وانتشار الفتن.
ولمن سفك الدماء، أو استخدم القتل بغير حق، نذكره أن المسلم في شريعة الإسلام معصوم الدم والمال والعرض، ولا يختلف المسلمون في تحريم الاعتداءعلى الأنفس المعصومة، فلا يجوز الاعتداء على النفس المسلمة، أو قتلها بغير حق، بل ولا يجوز الاعتداء على النفس المعاهدة (كما سيأتي بعد قليل).
ومن اعتدى على نفس مسلمة، فقد ارتكب كبيرة من الكبائر، بل هو من أكبر الكبائر، يقول الله تعالى: "وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا"سورة النساء:93. ويقول سبحانه: "مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا" سورة المائدة :5.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "اجتنبوا السبع الموبقات قيل يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق.."الحديث متفق على صحته بين الإمامين البخاري ومسلم. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم:"لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وإني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمارق من الدين التارك للجماعة "متفق عليه وهذا لفظ البخاري. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم"أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله" متفق عليه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم"رواه النسائي والترمذي وابن ماجه وصححه الألباني.
ونظر ابن عمر رضي الله عنهما يوماً إلى البيت أو إلى الكعبة فقال: "ما أعظمك وأعظم حرمتك والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك"راجع صحيح الترغيب للألباني. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم «أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء» متفق عليه.
كل هذه الأدلة تدل بوضوح ودون لبس أو غموض على عظم حرمة دم المرء المسلم وتحريم قتله لأي سبب من الأسباب، إلا ما دلت عليه النصوص الشرعية فلا يحل لأحد أن يعتدي على مسلم بغير حق، حتى لو أعلن إسلامه ولو في الحرب، كما حدث في هذه الواقعة التاريخية، يقول أسامة بن زيد رضي الله عنهما بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة فصبحنا القوم فهزمناهم، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلاً منهم فلما غشيناه قال: لاإله إلا الله، فكف الأنصاري فطعنته برمحي حتى قتلته فلما قدمنا بلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا أسامة أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله؟" قلت: كان متعوذاً فمازال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم" متفق عليه. وهذا لفظ البخاري. وهذا يدل أعظم الدلالة على حرمة الدماء، وعدم التفتيش في النيات، والأخذ بالظاهر، وبما ينطق به لسانه، ولا نفتش عن قلبه، فهذا رجل مشرك، وهم مجاهدون في ساحة القتال لما ظفروا به وتمكنوا منه نطق بالتوحيد، فتأول أسامة رضي الله عنه قتله على أنه ما قالها إلا ليكفوا عن قتله، ولم يقبل النبي صلى الله عليه وسلم عذره وتأويله وهذا يدل على حرمة دماء المسلمين.
وكما أن دماء المسلمين محرمة فإن أموالهم محرمة كذلك ولأهمية ذلك أكد عليه الرسول صلى الله عليه وسلم قبل موته بقليل، بقوله صلى الله عليه وسلم"إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا" أخرجه مسلم. وهذا الكلام قاله النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع، في يوم عرفة، وأخرج البخاري ومسلم نحوه في خطبة يوم النحر.
ومن المعلوم أن شريعة الإسلام قد جاءت بحفظ الضروريات الخمس وحرمت الاعتداء عليها، وهي: الدين والنفس والمال والعرض والعقل.
ولا يختلف المسلمون في تحريم الاعتداء على الأنفس المعصومة في دين الإسلام أما أن تكون مسلمة فلا يجوز بحال الاعتداء على النفس المسلمة وقتلها بغير حق، بل حرم الإسلام قتل المعاهد وأهل الذمة والمستأمن، وجعلها من الأنفس المعصومة التي لا يجوز قتلها، وأوضحت الآية و أمرت المسلمين بحفظ العهود (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وأن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً" أخرجه البخاري.
فمن أدخله ولي الأمر المسلم بعقد أمان وعهد فإن نفسه وماله معصوم لا يجوزالتعرض له، ومن قتله فإنه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "لم يرح رائحة الجنة"، وهذا وعيد شديد لمن تعرض للمعاهدين ومعلوم أن أهل الإسلام ذمتهم واحدة يقول النبي صلى الله عليه وسلم "المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم"رواه النسائي وأبو داود وصححه الألباني.
ولما أجارت أم هاني رضي الله عنها رجلاً مشركاً عام الفتح وأراد علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يقتله ذهبت للنبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال صلى الله عليه وسلم: "قدأجرنا من أجرت يا أم هاني" متفق عليه أي رواه البخاري ومسلم.، والمقصود أن من دخل بعقد أمان أو بعهد من ولي الأمر لمصلحة رآها فلا يجوز التعرض له ولا الاعتداء لا على نفسه ولا ماله.
فهذه هي أخلاق المسلمين، وتلك هي عقيدتهم، نسأل الله تعالى الهداية لنا ولجميع المسلمين.