تكفين
عالم الأسرة » همسات
25 - شوال - 1437 هـ| 31 - يوليو - 2016

منيرة القحطاني كان هذا هو أول اسم تصدر قائمة مراجعاتي للعيادة الصباحية
-الملف غير موجود، لو سمحتم أحضِروا الملف.
- دكتورة هذه مريضة جديدة لم يُفتح لها ملف بعد،فرددت الدعاء الذي لا ينفك عن لساني منذ افتتحت عيادتنا الخاصة، اللهم يافتاح ياعليم يارزاق ياكريم ولا أذكر قط أني ذكرته يوم كنت موظفة حكومية ليقيني أن الله سيرزقني راتباً آخر الشهر، ولكن حالنا في القطاع الخاص كمثل الطير تغدو خماصا وتعود بطانا.
- دكتورة: ابن المريضة مصرٌ على أن يدخل مع والدته.
- إذاً أخبروه أنني سأحولها لـ د. خالد ليتمكن من الدخول مع والدته.
- المريضة ترفض وتريدك أنت.
- إذاً لتدخل لوحدها.
- ولدها مُصِرٌ على أن يحدثك بالهاتف.
- يا الله (!!) فليتفضل، ورفعت السماعة وإذا بصوت منفعل
- تِكفين، تِكفين دكتورة.
طالبك طلبة.
رددت في نفسي: يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم، لقد ظننت أنه يريد أن يرافق أمه بِرا، فإذا به يريد التملص من دفع فواتيرها. فمن عساه يظنني؟! أميرا في إمارة ليقدم معروضا؟! وإن أعفيته من دفع فواتير أمه، فمن سيدفع رواتب 20 موظفا في رقبة هذه العيادة، هؤلاء خلفهم أفواه جائعة، تنتظرهم هنا وأفواه خلف الحدود. ومن سيدفع إيجار هذه العيادة؟ وإيجار المنزل ورسوم الهيئة السعودية؟ وووو لكن هذا القحطاني لا يهمه كل هذا واستمر في طلبه.
- تِكفين دكتورة تِكفين كان الله في عون الأمراء، مزعج التعرض لمن يذل نفسه لغير الله، الحمد لله أنني لست بأميرة، ورغم ذلك لم أسلم و مع كل هذا إلا أني رحمت ذله.
ـ تفضل يا أخي،أريد أن أنهي هذا الموال المزعج
- تكفين دكتورة لا توجعي أمي تكفين، أمي صبورة ولن تخبرك إن آلمتِها، فتكفين لا توجعيها اعملي لها كل ما تحتاجه، وضعي لها أفضل ما عندكم، ولا تفكري في السعر لكن تكفين لا توجعيها.
سرت قشعريرة في جسدي وأسفت لحالي، كيف أثر بي العمل في القطاع الخاص، وكيف شطح بي فكري المادي، فلا تلوموني، الشركاء يريدون أرباحا، ويرددون: العيادة ليست ماء سبيل.
فكنت متحمسة للتعرف على هذه المرأة، كيف كسبت قلوب أبنائها، فإذا هي بامرأة مسنة، قديرة، ترتدي اللباس الشعبي الجنوبي، أمية، لا تقرأ ولا تكتب، ولكن الحب والتربية لا يحتاجان إلى الدكتوراه والشهادات.
في الموعد اللاحق رافقتها ابنتها، فكررت على مسامعي عبارات أخيها نفسها: تكفين دكتورة لا توجعي أمي، وكانت مصرة على أن تقف فوق رأسي، وكل بضع دقائق تسأل: أمي هل يوجعك دكتورة تكفين لا توجعيها، لكني ضقت بها ذرعا، فطلبت منها أن تجلس وتقرأ لنا كتابا علها تنشغل عني، إلا أنها لم تنطلِ عليها هذه الحيلة، انتهيت من علاجها، وقمت بتحويلها للعيادات الأخرى، ولكنني أتفاجأ في كل مرة أن أبناءها يحجزون الموعد معي، وفي كل مرة أشرح لهم هذا ليس تخصصي، والطبيب سيقدم لها علاجا أفضل مني، لكنهم يجيبون جميعاً بنفس الإجابة: دكتورة أنت لم توجعيها، ونخاف أن نحولها إلى طبيب آخر يوجعها، غبطتهم على برهم لها، وغبطتها على هذا البر. وتيقنت أن شبابنا ذكورا وإناثا فيهم خير، بل فيهم الخير الكثير.