الحماة... الكنَّة...صراع مستمر أم سلام دائم.
عاد خالد إلى غرفته الخاصة في بيت والديه ،بعد زواج استمر سنةً كاملةً، فهو متزوج مع وقف التنفيذ ،لأن حماته أم زوجته تشترط عليه لإرجاع ابنتها إليه ؛شروط يعجز خالد عن تنفيذها ، فبقي حاله معلق لأجلٍ غير مسمى.
رجعت غادة إلى بيت أهلها مطلقة ،وحامل بطفلها الأول ، بعد خمسة شهور من زواجها ،لأن حماتها أم زوجها خيَّرت ابنها في مجلس العائلة بين أن يختارها أو يختار زوجته التي يحبها ، فَأَبَتْ رُجُولته وكرَامته وسُمْعَته بين الرجال أن يختار زوجته المظلومة ،فاختار أمه وطلَّق غادة.
أم محمد في المستشفى تدهورت حالتها الصحية بسبب مرض السكري والضغط ، والطبيب يُعيد ويُزيد يا أم محمد
قلت : ألف مرة ابتعدي عن الضغوط النفسية والهمَّ والغمَّ.قالت :أم زوجي جدة محمد تعيش معنا منذ عشرين سنة
الأمر أمرها والحكم حكمها ،في الأكل والشرب واللباس والدخول والخروج بل تُحدّدْ لي متى أحمل ؟ ومتى لا؟
انتهى صبري فلم أعد احتمل ،وأبو محمد لا حول له ولا قوة مع أمه .
أم علي تجاوزت السبعين من عمرها وتعيش في غرفة من عمائر الوقف الخيري " رباط " وعلي ابنها البكر و وحيدها رجل مرموق ذو وجاهة اجتماعية ، يتصدق عليها المحسنين الذين يطلبون وُدَّ ابنها علي لإنهاء مصالحهم التي تحت يده ولا يعلموا أنها أمه.
الجرم الذي ارتكبته أم علي لتكون منبوذة هي أن مظهرها وحديثها لا يتناسب مع المستوى الاجتماعي لزوجة ابنها ،وأنها سببَّت لها الكثير من الإحراج أمام ضيفاتها من سيدات المجتمع ، فكانت غرفة الوقف الخيري الحل الأمثل لذلك.
صور مظلمة وقاتمة في مجتمعنا المسلم ،بل يوجد الكثير من المواقف والأحداث التي تُوُجِب غضب الرب وسخطه ،وتحقق نزول العقوبات، لكثرة البغي والتعدي وقطع الأرحام؛ في العلاقة المزدوجة بين الرجل وأمه وزوجته وحماته ،وبين المرأة وزوجها وأمها وحماتها .
مجتمعنا المسلم مازالَ فيه طائفة متمسكة بدينها ،تحرص على تطبيق أحكامه في كل شؤون حياتها ، في الصغير والكبير على السواء ،ومن ذلك العلاقات الأسرية والتي منها : العلاقة المزدوجة بين الأزواج وأمهاتهم، وستبقى هذه الطائفة ولن تزول ؛ تصديقاً لقول خير البرية صلى الله عليه وسلم ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ..) ومن هذا الحق الحقوق والواجبات المتبادلة بين الأزواج وأمهاتهم ، فهي معروفة ومعلومة ؛وتُؤَّدى على أكمل وجه ، فكل طرف يعرف ماله وما عليه ، فلا يعتدي ولا يُعتدَ عليه ، يفعل الجميع ذلك استسلاماً وتديناً لله تعالى .
ومؤشر الخطر الذي بدأت ترتفع خطوطه ، ويزداد احمرارها ،ويصطلي بسعيرها ويكتوي بنارها الجيل الذي أنْشَأها والجيل الذي نَشَأَ منها ، تدهور العلاقات بين الزوجة وحماتها ،والزوج وحماته، تدهور تنتهي فيه العلاقة الزوجية ،أو تبقى في صراع مستمر، ومن المؤلم والمؤسف أنها صارت ظاهرة اجتماعية ،وسلوك أخلاقي غير سوي ،ومفهوم نظري يُتوارث بين أفراد المجتمع ، ونسي الجميع أنهم مسلمين محكومون بشريعة الإسلام.
لماَّ رقَّ الدَّين في نفوس الناس ،وخَفَتَ في عيونهم بريق الغاية من خلقهم ووجودهم في الحياة،واتخذوا مصادر أخرى يستقوا منها طرائق تعايشهم ، وأساليب تعاملهم ،ابتلى الله تعالى بعضهم ببعض ، فصعبت الحياة وتكدرت ، والكل يشتكي ويُشْتَكى منه ، لا يُعرف الظالم من المظلوم ،تداخلت الأمور واسودت ظلالها.
ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله :( ليس مناَّ من خببَّ امرأة على زوجها ،أو عبداً على مملوكه ) سنن أبي داود 3175.وفي رواية أخرى بالمعنى ( لعن الله من خببَّ امرأة على زوجها ، لعن الله من خببَّ زوجاً على امرأته)
واللعن معناه الطرد والإبعاد عن رحمة الله تعالى ، وليس من المسلمين من كان خُلقه وغاية عمله التحريض والتأليب.
هذه الأم تملأ قلب ابنتها على زوجها وتوصيها بوصايا إبليس لجنوده ، فتعود إلى زوجها شراً مستطيراً ، وتلك الأم تحذر ولدها في الدخول والخروج من كيد النساء ومكرهن ،وأن زوجتك قد أوتيت من ذلك الكيد والمكر الحظ الأوفى والنصيب الأكمل ، فيعود إلى زوجته فبدل أن يسكنَ إليها يتوجس منها ،ومن كلماتها وحركاتها ، ويسيء الظن في نظراتها ولحظاتها ، والبراعم الصغار تعيش تراقب وتقتدي وتفهم أن الحياة خُلقت لتكون هكذا ، فتواصل المسيرة على نفس المنهج والمنوال ، فطوبى لمن أصلح نفسه وأصلح غيره ، وأزاح عن الناس شر أعمالهم ، ونَجَّاهم من ظلمات جهلهم
وخبث بواطنهم ،وفساد قلوبهم ، فإن الجنة طيبة لا يدخلها إلا طيب ،نظيف القلب طاهر الفؤاد.
رسالة إلى كل حماة وكنتها :
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري :( لا يدخل الجنة نمام ).
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :(ألا أخبركم بخياركم ؟ قالوا : بلى ، قال : الذين إذا رؤوا ذُكِر الله أفلا أخبركم بشراركم ؟ قالوا : بلى ، قال : المشَّاءُون بالنميمة ، المفْسِدون بين الأحَّبة ، الباغون لِلْبُرَآءِ العنت.) الألباني صحيح الأدب المفرد ، صفحة 246.
فلتنظر كل امرأة إلى عملها وسلوكها وتتَّهمهُ هل هو عملٌ صالحٌ تنجو به من عذاب الله تعالى يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم.