نعيش خلال هذه الأيام عودة أبنائنا الطلاب والطالبات للمدارس والجامعات وكذلك دخول المستجدين للصفوف الأولى من المدارس أو المراحل التمهيدية للمدرسة ، ومع ما تتضمنه هذه الفترة من عناء التجهيزات النفسية والمادية التي تقوم بها الأسر لأبنائها وكذلك إعادة تنظيم أوقاتهم الخاصة بالأكل والنوم والزيارات وغيرها تعيش بعض الأسر هاجساً آخراً وهو رفض بعض الأبناء الذهاب للمدرسة سواء المستجدين أو من قد تجاوزوا بعض المراحل
الدراسية ولعلي أكشف عن بعض النماذج من داخل العيادة النفسية، والتي تترد في الذهاب للمدرسة بصورة متكررة مع بداية كل عام أو فصل دراسي جديد، والتي منها الطفلة شهد التي رفضت الذهاب إلى الروضة تماما، وكانت تصاب بآلام شديدة، ونوبات بكاء مستمرة،،،،، كما اضطرت إحدى الأمهات الموظفات إلى أخذ إجازة استثنائية لمدة عام لتداوم فيه بالقرب من ابنتها التي رفضت الذهاب إلى المدرسة مرة أخرى مع بداية السنة الثانية، وبعد انتهاء إجازة والدتها، إلى جانب طالبة كانت متفوقة في نهاية المرحلة الابتدائية، وحين دخولها المرحلة المتوسطة رفضت المواصلة تماما،،،،،
وهذا الخوف لا يقتصر على المستجدين كما يظن البعض، ولكنه قد يصيب الطلاب في كافة المراحل الدراسية، لاسيما من ينتقل من مرحلة لمرحلة دراسية أخرى، وفي حال تغير المدرسة أو الزملاء أو المعلمين، أو المناهج، أو عند تغير الأجواء الدراسية، ومن هذا الخوف ما هو طبيعي ومنه ما يكون عائداً لشخصيات بعض الطلاب وصعوبة تكيف البعض، أو لمواقف معينة يواجهها الطالب، وهذا ما لا يستمر مع الطالب طيلة السنة الدراسية
وقد يتساءل البعض عن الأسباب التي لابد للوالدين من التأكد منها قبل إجبار الطالب على الذهاب إلى المدرسة فقد يكون ضعف أو انعدام الإعداد للمرحلة الدراسية من قبل الوالدين، وبالتالي يفاجأ الطالب بجو جديد وعالم مختلف، ويحتاج لوقت طويل حتى يتكيف مع جو المدرسة فيحدث الرفض، كما أن من الأسباب التعرض لمواقف نفسية مؤلمة في بداية الحياة الدراسية، كضرب معلم لطالب، أو عنف في طريقة التدريس، وبالتالي يصبح لدى الطالب ما يسمى بالاشتراط النفسي، وهو ربط المدرسة بهذا السلوك، إلى جانب احتمالية وجود سمات شخصية لدى الطالب سواء مكتسبة أو وراثية، لا تساعده على التأقلم أو التعايش مع أجواء المرحلة الدراسية، كالشخصيات القلقة التي تتصف بالحساسية المفرطة، وتضخيم مواقف الخوف والارتباك والإحراج، ومن الأسباب أيضاً ما قد يعود إلى وجود نوع من اضطرابات أو صعوبات التعلم لدى الطالب، فيشعر الطالب بعدم قدرته على مواكبة زملائه في مادة ما، أو عدم قدرته على التحصيل الدراسي كأقرانه، وربما تأزمت المشكلة وشكلت لديه أزمة نفسية، ومن الأسباب أيضاً بعض السلوكيات الخاطئة التي قد يقوم بها الأبوان بطبيعة شخصياتهم كالإكثار من ربط المدرسة بالمواقف السلبية، أو ما يسمى بالتربية الاعتمادية، وهي عدم السماح للطفل بالاعتماد على نفسه، وبالتالي يشعر بالاعتماد الكلي على والديه، وعدم القدرة على الاستقلال كما تتطلبه مراحل الدراسة
ومن الأسباب كذلك حدوث نوع من الاعتداءات الجسدية أو التحرشات الجنسية على الطالب في المدرسة من بعض الطلاب أو من السائقين، وبالتالي لا يجيد الطالب كيفية التعامل مع هذا الاعتداء إلا برفض الذهاب إلى المدرسة، وأشدد هاهنا على ضرورة توعية وتوجيه الطفل بضرورة التحدث عند حدوث مثل هذه المواقف، والتأكد من عدم حيلولة مثلها دون رغبته في الذهاب إلى المدرسة.
وفيما يتعلق بالصور التي تظهر لرفض الطالب الذهاب إلى المدرسة فإن الطالب قد يصاب بصداع أو مغص، أو غثيان وفقدان للشهية، وتوتر وعصبية، وبكاء، وحين ملاحظة اختفاء هذه الأعراض في أوقات الإجازات أو عند السماح للطفل بالغياب مثلا... فإن ذلك يعني ضرورة البحث عن السبب الحقيقي وراء عدم الرغبة في الذهاب إلى المدرسة.
أما السبل الطبية والسلوكية لعلاج هذه المشكلة فتتم من خلال معرفة سبب عدم رغبة الطفل في الذهاب إلى المدرسة أولا، ومن ثم تبدأ الخطة العلاجية حين معرفة السبب، مع ضرورة اشتراك وتعاون الأسرة والمدرسة في ذلك، وفي حال التأزم يأتي دور العلاج النفسي، ومن ثم تكون خطة العلاج من خلال علاج مصدر الخوف، واتباع أحد أساليب العلاج السلوكي وهو (الغمر) ويتم من خلاله وضع الطالب أمام الأمر الواقع، أو بطريقة التعريض المتدرج، وذلك بتركه في المدرسة في البداية لمدة ثلاث حصص، واليوم التالي يتم زيادة الحصص، حتى تبدأ حالة الخوف في التضاؤل التدريجي، مع ربط كل ذلك ببرنامج من التحفيز المادي والمعنوي.
كما أن من أساليب العلاج أيضا عدم استسلام الوالدين لخوف الطالب والاستجابة لرغباته في عدم الذهاب، بتركه أسبوعاً أو أكثر، فهذه من السلوكيات التي قد تفاقم المشكلة، وبالمقابل فإن التعامل بشدة وبعنف جبري قد يخلق مشاكل نفسية تتطلب علاجا نفسيا آخر،،،،،
وختاماً فقد يحتاج الأمر عرض الحالة على الطبيب أو المعالج السلوكي حين تأزم الأمور وعدم القدرة على النجاح بأساليب العلاج المذكورة
__________________
د. موسى بن أحمد آل زعلة
استشاري الطب النفسي بكلية الطب - جامعة الملك خالد
أبها - المملكة العربية السعودية

محاور الحوار :
* قلق الانفصال لدى الطفل والاسرة .
* تهيئة الطفل للالتحاق بالمدرسة .
* أطفال فرط الحركة والتكيف مع المدرسة ..
* واجب الأسرة تجاه الطفل والمدرسة .
* مهارات سلوكية والنجاح الدراسي
* مهارات للحماية والدفاع عن النفس لدى الطفل
* طرق ترغيب وتشجيع الطفل على المدرسة ..