أختي المسلمة ها هي أيام الشهر بدأت تتناقص وها هو أوشك على الرحيل ولا يزال يبقى فيه بقية من ليالي هي أفضل ليالي العام على الإطلاق وفيها ليلة هي أفضل الليالي بل إنها أفضل من ثلاثة وثمانين عام وأربعة أشهر وقد زاد فضلها على فضل العمل ألف شهر فحيا هلا على استغلالها وتوطين النفس وتهيئتها لما بعد رمضان.
أخيتي: ها أنت جربتِ ا لسعادة والارتياح ونشاط النفس عند الصيام والقيام وقراءة القرآن، وقد علمت من الحبيب محمد عليه أفضل الصلاة والسلام أن الخاسر هو من قال عنه رغم أنفه أي وضع في التراب قيل من يا رسول الله قال من أدرك رمضان ولم يغفر له، فيا من تريدين المغفرة في هذا الشهر الكريم وتريدين دخول الجنات والنجاة من النيران، وطني نفسك على العبادة حتى تألفيها وقد قال ربك سبحانه عن هذه النفس الضعيفة الأمارة بالسوء "قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها" فهنيئاً والله لكل عابدة لله تأنس بطاعته وهي تعلم بشارة ربها في كتابه الكريم حيث قال: "ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم. سورة يونس 264 وإليك أخيتي بعض الخطوات المهمة في بناء النفس ما بعد رمضان أسأل الكريم أن ينفع بها:
أولاً: التوبة في هذا الشهر الكريم: فهذا هو شهر التوبة وربك الكريم جل وعلا يجب التوابين ويريدهم أن يتوبوا قال جل جلاله وهو الكريم سبحانه. "إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين" وقال سبحانه وتعالى "والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً" فسارعي أخيتي بترك الذنوب صغيرها وكبيرها وبادري حتى لو كنتِ من الصالحات فالحبيب – صلى الله عليه وسلم – وهو الذي غفر الله له ذنوبه ما تقدم منها وما تأخر ومع ذلك يتوب – صلى الله عليه وسلم – ويوصينا بالتوبة حيث يقول: "يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه فإني أتوب الله في اليوم مائة مرة"
دع الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقى
واعمل كماشي فوق أرض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى.
ثانياً: العزم على الاستمرار على عمل الصالحات والاستعانة بالله سبحانه وتعالى فإنه خير معين، واللجوء إلى الله والإلحاح عليه بالدعاء بأن يثبتك على القول الثابت وأن لا يزيغ قلبك بعد إذ هداك فقد كان من دعاء النبي – صلى الله عليه وسلم – "اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" ومن أهم الأسباب المعينة على الاستمرار على العمل الصالح:
1- الاستعانة بالله سبحانه والتوكل عليه سبحانه وتعالى ودعاءه وقد قال سبحانه وتعالى "ومن يتوكل على الله فهو حسبه" "وإذا سألك عني عبادي فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون" .
2- أن تتذكري وفقك الله أن هذه الدنيا زائلة وما عليها زائل وأن الباقي هو الآخرة. وأن الحياة الحقيقية هي في تلك الدار التي لا تنتهي أيامها وتسعد فيها المؤمنة في تلك الجنة ولا يمسها فيها تعب ولا هم ولا غم ولا كدر قال الله عز وجل: "لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين" واعلمي أن الله قد زفَّ للمؤمنات بشارة مع الصادق المصدوق – صلى الله عليه وسلم – بشرط أن تستمر المؤمنة على العمل الصالح حيث قال سبحانه: "وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات بأن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار" سورة البقرة . واحذري من ما حذرنا الله عز وجل منه وهو تلك النار العظيمة التي لا تستطيعي أن تتحملي حرها فقد قال سبحانه محذراً من هذه النار: "كلا إنها لظى نزاعة للشوى" وقال عنها سبحانه "إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظاً وزفيراً" وقد حذرنا منها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أشد تحذير فقال أنذرتكم النار!أنذرتكم النار! أنذرتكم النار ، وقال كما في صحيح البخاري أتقوا النار ولو بشق تمرة، وأخبر بأبي هو وأمي – صلى الله عليه وسلم – أن أهون أهل النار عذاباً رجل وامرأة يوضع تحت قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه. فهل تحتملين هذا يا أمة الله. إذا الفكاك الفكاك والنجاة النجاة.
3- تعويد النفس وتوطينها على عبادة الله عز وجل وخاصة خلال هذه الليالي العشر التي تكون نفسك يا أختي المسلمة مقبلة على طاعة الله عز وجل، وها أنت قد استشعرتِ هذه العبادة العظيمة ورأيت كيف أن القلب يحيي وينشط بعبادة الله فالقلوب منها ما هو حي كما أخبر الله عز وجل في كتابه الكريم حيث قال: "أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها" وقال الحبيب – صلى الله عليه وسلم – فيما صح عنه "مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه كالحي والميت" فحياة القلب ونوره وانشراحه وانبساطه هو في عبادة الله تبارك وتعالى سواء كان ذلك في رمضان أو فيما بعد رمضان فالمستقيمة على طاعة الله سعادتها دائمة ومستمرة ليس في الحياة فقط بل في الحياة وبعد الممات.
4- الحرص على الأخذ من الأعمال ما تستطيعين ولا تشقين على نفسك فإن العمل لو كان قليلاً خير من العمل الكثير إذا كان كثيراً وقد صح عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال" "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل" متفق عليه. ويقول – صلى الله عليه وسلم – "خذوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا" متفق عليه.
فلتبدئي يا أختي الفاضلة بالمحافظة على الفرائض التي فرضها وهي الصلاة والصيام والحج والزكاة بعد تحقيق التوحيد وتنميته من الشرك الأصغر والأكبر ثم حافظي على النوافل الواردة كالسنن والرواتب وهي اثنتا عشرة ركعة أربع قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل الفجر والمحافظة على الوتر والصيام ثلاثة أيام كل شهر وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر والمحافظة على تلاوة كتاب الله ما استطعتِ وإن استطعتِ أن تزدادي فافعلي فقد صح في البخاري أن الله عز وجل قال: "ما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب أليَّ مما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي عليها ولئن سألني لأعطينَّه ولئن استعاذني لأعيذنَّه.
5- الاستعانة بالأخوات الصالحات فإن من الأخوات من يعين بإذن الله على عبادة الله بل إن منهن من تذكرك بالله عز وجل فإذا أخطأت حذرتك وخوفتك بالله وإن تكاسلت ورأيت عبادتها تحمستِ ونشطتِ في عبادة الله وصدق الحبيب – صلى الله عليه وسلم – حيث قال: "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل" وقد قال الناظم:
أنت في الناس تقاس بمن اخترت خليلاً
فاختر الأخيار تنجو وتنل ذكراً جميلاً.
وخير هذا القول سبحانه وتعالى: "الأخلاء يومئذ بعضه لبعض عدو إلا المتقين".
6- الامتناع عن المعاصي وعن أسبابها فإن الله عز وجل قد حرم المعاصي وحرم كذلك أسبابها وقد قال أهل العلم "أن الوسائل لها أحكام المقاصد" ولذلك فقد حرم الله الزنا وحرم أسبابه كما في قوله تعالى: "ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً" فقد حرم الأسباب المؤدية على الزنا سواء على الرجال أو النساء ولذلك حرم أهل العلم كل الأسباب التي تؤدي إلى الزنا مثل النظر والخلوة والمخاطبة التي فيها خضوع بالقول ونحو ذلك لأن الله عز وجل قال: "ولا تقربوا الزنا" ولم يقل ولا تفعلوا ويقاس على هذا جميع المعاصي فإنها عندما تكون محرمة فيحرم أسبابها كذلك. وإني هنا أنبه أخواتي الصالحات حتى لو كن صالحات من المحادثات الهاتفية أو حتى الكتابة عن طريق المنتديات أو نحوها حتى لو كانت مع شباب صالحين أو مستقيمين لأن هذه من الأسباب المنهي عنها وأرى أن يقتصر الحديث مع العلماء أو طلبة العلم في الفتوى فقط حتى يغلق الباب على الشيطان فإنه يجري من ابن آدم مجرى الدم والحي لا تؤمن عليه الفتنة كما قال بعض السلف.
أسأل الله الحي القيوم الذي إذا دعى أجاب وإذا سأل أعطى والذي يحب السؤال من عباده ويحب الإلحاح عليه بالدعاء وأسأله بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يثبتني وأخواتي على طاعته وأن يعصمنا من المعاصي وأن يثبتنا على العمل الصالح ويعيننا عليه وأن ينجينا من النار ويدخلنا جنات الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء الصالحين وحسن أولئك رفيقاً.